سوء التربية والعنف والتحرش والمخدرات وإهمال الأسرة.. أبرز أسباب الانحراف
شبكة الإنترنت" واحدة من أبرز إنجازات العصر الحديث.. هذه حقيقة لا يماري فيها منصف.
الخبراء وعلماء الدين والصحة النفسية والاجتماع يؤكدون أن "الجنس الإلكتروني" عار للمرأة، وسقوط للرجل، وتخريب للأسرة، وتدمير للمجتمع، ويجب التعاون للتخلص منه، وحماية الأزواج والشباب والفتيات من مخاطره.
ويجزمون بأن وراءه أسباب عديدة، أبرزها: الكبت، وسوء التربية، والعنف، والتحرش الجنسي، وتعاطي المخدرات، وغياب رقابة الأسرة لأبنائها، وضعف الوازع الديني، وعدم وجود مشروع قومي يلتف حوله الشباب.
ويُشدّدون على أن ما يحدث عبارة عن "نشوة خيالية" تخفي وراءها رجولة مخنثة، وأنوثة ضائعة، وأسماء مستعارة، ووعود وهمية. ويحذرون من أن المحادثات الإلكترونية" الداعرة تُضعف عزائم الشباب والفتيات، وتهدد مستقبلهم الدراسي والمهني.
حديث الأرقام يكشف أن مراهقين لم يتجاوزوا 16 عاما أدمنوا "الجنس الإلكتروني"، ويحاولون نقله إلى الواقع، الأمر الذي يوقعهم في كوارث عديدة.
الأرقام لم تتوقف عند هذا الحد، فأحدث الإحصاءات العلمية تؤكد أن 93% من الأولاد والبنات يتابعون قنوات الغناء والفيديو كليب، والفضائيات الأجنبية بما تبثه من موادّ تتنافى مع قيمنا، وأخلاقنا، وتعاليم ديننا الحنيف.
ويطالبون بتعاون جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها لتيسير أسباب الزواج، وتشجيع الأنشطة الشبابية لملء أوقات الفراغ لدى الشباب والفتيات، وفرض رقابة صارمة لمنع المواقع الإباحية، وتلافي مخاطرها.
في التحقيق التالي نتوقف أمام بعض التجارب "الكارثية" التي سقط فيها رجال ونساء وشباب من الجنسين فريسة للأوهام الجنسية الإلكترونية، وتعرضوا للكثير من المخاطر، ودفعوا ثمنا غاليا من سمعتهم وحياتهم.. كما نتعرف على آراء الخبراء والعلماء ومقترحاتهم للعلاج.
نجلاء.. انفصلت عن زوجها بعد إنجابها ثلاثة أولاد.. رأت أن زوجها غير مناسب لها.. وفي إحدى جلساتها على الإنترنت وبأحد مواقع "الشات" تعرفت على أحدهم.. تقول إنه ملأها حبا، وأنها وجدت فيه غايتها، فقد بثّ فيها ما لم يبثه زوجها من مشاعر.
كانت تنقاد لرغباته في كل جلساتها، حتى اكتشفت أنه سلبها سعادتها وهدوءها في بيتها، فأصبحت "مدمنة" للإنترنت، وتمارس الجنس بشهوة.
لم تنجح في الارتباط بعشيقها الوهمي، فلم تكن تعرف أين مقره؟ وما هو هدفه منها؟ وكلما طالبته بالكشف عن هويته راوغ وهرب.. تتحسر على حالها بعد فوات الأوان، فقد صنعت من نفسها "امرأة ساقطة" بانحرافها الجنسي وجريها وراء لذة وهمية.
حياة وهمية
أما "علاء" ـ 28 سنة ـ فقد هدم بيته بنفس السبب.. كان متزوجا من فتاة "فاتنة" الجمال.. اختارها بعد قصة حب.. في يوم زفافها تم تزيين منزلها كله بالورود، ولكنها بعد إنجابها طفلها الأول انصرفت عن زوجها إلى رعاية صغيرها.
لم يستسلم "علاء" للواقع الجديد، فراح يبحث في دهاليز "الشات" عما يملأ به وقت الفراغ الذي يعانيه نتيجة إهمال زوجته له.
وسرعان ما وجد من يحاكيه في ممارسة الجنس عبر الشات.. شريكته الجديدة مطلقة، وبثت له ما يؤكد حاجتها الجنسية.. أقنعته بالنشوة "التصورية" الباطلة.
ويوما بعد يوم وجد نفسه يبحث عنها.. يريد الوصول إليها، ومعايشتها إلى الأبد.. وبالفعل انتهى بحثه عنها بالزواج منها بعد سفره إليها في موطنها العربي، غير أن "الحياة الوهمية" التي عاشوها سويا كانت لهم بالمرصاد.. ثلاثة أشهر فقط مرت على زواجهما، انصرف بعدها كل منهما إلى حال سبيله.
مثيرات جنسية
أما الدكتور علي زائري استشاري الطب النفسي بمركز النخيل بجدة فيوضح أن أكثر من بليون شخص في العالم يستطيعون الوصول إلى "النت" في أي وقت، مشيرا إلى أن المراهقين يدخلون "النت" بحثا عن المعلومات, والتسلية, والتعارف، إضافة إلى البحث عن مواد أو علاقات جنسية.
ويضيف أن بعض الدراسات تكشف أن الرجال كانوا أكثر استخداما للنت حتى وقت قريب، ولكن الغالبية العظمى من المستخدمين الآن من النساء. كما أن الرجال يبحثون عن المثيرات الجنسية أكثر من النساء، بينما النساء يبحثن عن العلاقات.
ويلفت إلى أن المراهقين الممارسين للجنس عن طريق النت يقللون من خطورة تصرفاتهم بزعم أنهم لم يمارسوا جنسا حقيقيا، أو أنهم مارسوا جنسا بسيطا عن طريق الدردشة، في حين يزعم الرجال أن الجنس على النت لا يُعدّ "خيانة".
ويوضح أن كثيرا من المراهقين أصبحوا "مدمنين" للجنس الإلكتروني من عمر 16 سنة، مشيرا إلى أن أكثر ما يهدد المراهق هو سهولة وصوله إلى كمية هائلة من المواد الجنسية بأنواعها المختلفة، وتعرفه على أنواع الشذوذ الجنسي التي لم يكن يعرفها من قبل، ومقابلته أشخاصا يشجعون أنواعا مختلفة من الانحراف الجنسي، مثل جنس المحارم، والجنس المثلي, والجنس مع الحيوانات.
انحراف إلكتروني
ويُحذر الدكتور زائري من أنه في أثناء بحث المراهق عن مواد جنسية مألوفة، وعن طريق المصادفة يجد أنواعا جديدة من الجنس مثل "العنف الجنسي"، فيتعلمها، وينشرها بين أصدقائه، وبمرور الوقت يحدث الإدمان النفسي، ويتوتر الشخص عند انقطاع المادة الجنسية التي تعود عليها، وقد يصاب بالاكتئاب والقلق.
ويشير إلى أن المراهق يختفي من العالم الواقعي بسبب الإدمان، ويقضي أياما وشهورا طويلة في ممارسة الجنس على النت، ومع الوقت يتم التعود النفسي، وتصبح الممارسة الجنسية الإلكترونية "عادة" تسبب الراحة للمدمن، وتمثل مكانا للهروب من المشاكل والضغوط، وفي الوقت الذي يعود فيه المدمن الإلكتروني إلى الواقع الحقيقي يحتفظ بأفكار "الانحراف الإلكتروني"، ويبدأ البحث عن علاقات مشابهة في أرض الواقع.
ويقول: لقد عالجنا في العيادة النفسية مجموعة من المرضى المصابين بالاكتئاب، بسبب اختفاء الشريك الجنسي الإلكتروني ـ الذي قد يوجد في أي مكان آخر في العالم ـ بسبب دخول فيروس بجهازه الحاسوبي مثلا ألغى عنوان الشخص، أو حتى بسبب "الهجر"، أو تعرفه على شخص مختلف.
ويلفت إلى أن بعض النساء اللاتي يتلقين العلاج اعترفن بعدم الشعور بمتعة جنسية مع الزوج، بينما تجدها فقط عند ممارسة العرض الجنسي لجسدها على الهواء مباشرة عن طريق بعض المواقع، أو الجنس الجماعي.
غُربة وعُزلة
ويجزم الدكتور زائري بأن أهم ما يُشجّع المراهقة على التحدث والاستعراض العاري هو شعورها بالغربة في عالمها الحقيقي، والعزلة العميقة، ورفض الأهل والأقارب، والمجتمع الذي يصفونه بالتخلف، والانغماس بشكل كامل في العالم الافتراضي.
ويُحذر من أن البعض يتعرض للابتزاز عن طريق صورهم، أو أصواتهم، وهناك من يتعرض للاغتصاب والقتل عندما يتم استدراج المراهق أو المراهقة للقاء الشريك الجنسي خارج المنزل بهدف التعارف، أو الزواج.
ويؤكد أن العلاج يتطلب نشر الوعي الإلكتروني، وتثقيف الأهل بتلك الأمور، ومناقشة مخاطر تلك الأساليب بجدية في الوسائل الإعلامية، بعيدا عن الخجل، والإنكار الجماعي. ويطالب الدولة بفرض رقابة قوية على المواقع الجنسية عن طريق برامج قوية وفعالة، وعدم الاكتفاء بحجب مواقع يمكن الالتفاف عليها ببرامج متوفرة عند الجميع.
ويدعو إلى تسهيل زواج الشباب والشابات عن طريق تدخل المؤسسات الحكومية، والتخفيف من عبء التكاليف، وتقديم خدمات إضافية لراغبي الزواج، مثل أولوية التوظيف.
وينصح أهالي المراهقين المتورطين في الإدمان الجنسي الإلكتروني بضرورة التعامل معهم بلطف، واحتوائهم، وعلاجهم في العيادات النفسية، وإعادة تأهيلهم، وتشجيعهم على الانضمام في المشاركات الاجتماعية والنوادي الشبابية والنسائية.
كما ينصح بعدم "تهييج" المجتمع ضد وسائل الحضارة الحديثة، والتقنيات الجديدة على غرار ما حدث مع بداية انتشار التلفزيون، أو الدش، مشيرا إلى ضرورة احترام التطور الإلكتروني الذي أضاف للعالم أكثر مما أساء إليه بكثير.
نشوة كاذبة
الدكتور خالد بن يوسف البرقاوي أستاذ الخدمة الاجتماعية المشارك بجامعة أم القرى يُشدد على أن ممارسة الجنس الإلكتروني لها مخاطر عديدة على الفرد، على الرغم من أنها عبارة عن أفكار جنسية متبادلة، وتتم دون ملامسة بين الشخصين، ومن خلال المحادثات "الداعرة" سواء باستخدام الصوت، أو الكتابة أو كليهما، أو الكاميرا، لتحقيق "نشوة كاذبة".
ويحذر من تلك الممارسة التي تمثل بداية الطريق نحو الوقوع في شرك العلاقات الجنسية الحقيقة، وما يتبع ذلك من مخاطر الأمراض الجنسية، والتهديدات الاجتماعية للشاب، أو العيش أسيرا للعادة السرية بصورة مزمنة، إضافة إلى الاكتئاب الناجم عن الصراع النفسي بين الرغبة في تحويل الخيالات الجنسية المرافقة للجنس الإلكتروني إلى واقع، وبين الرغبة في الوقوف عند حدود الجنس المتخيّل.
ويضيف أن تلك الممارسات تضعف عزائم الشباب، وتجعلهم يعيشون حياة كئيبة بمستويات إنتاج منخفضة تنعكس سلبيا على مستقبلهم الدراسي والمهني، ومن ثم يكون الجنس الإلكتروني معولا لقتل مستقبل الشباب، وجعلهم أسرى للصراع بين الجنس المتخيل، والجنس الحقيقي.
فراغ وضغوط
ويوضح الدكتور البرقاوي أن وراء السقوط في تلك الممارسات ضعف الوازع الديني لدى بعض الشباب، والفراغ الذي يعاني منه كثير منهم، وعدم استغلال أوقاتهم بالطرق الصحيحة والسليمة والمقبولة اجتماعيا، إضافة إلى الضغوط الأسرية والاجتماعية المختلفة التي يعاني منها البعض، وعدم وجود هدف واضح ومحدد للحياة لديهم.